برزخ
إذا اسْتشرى ضَياعُكِ كيف أبْرَا أجيبي لو سمحتِ فأنتِ أدرى
صحيحٌ أنّ بِيْ رمقًا ولكن أموتُ الآن لا أُخفيكِ سرّا
مررتِ بخاطري مذ كان ماءً فكيف كسَرتِهِ يا زَهرُ كَسرا؟!
أحاولُ أن أقولَكِ من جديدٍ وهذا فوق ما أوتِيتُ شعرا!
لقد نَهبَ الحنينُ إليكِ صدري ولم أُبعِدْهُ عنْ عينَيَّ شِبرا
ويَحضُرُني غيابُكِ ليس وجهًا لوجهٍ، إنّما يا بنتُ غَدرا
فيَحطِبُ ظهرَ أحلامي، تمامًا كأنّي لم أكن سندًا وظَهرا!
تعبتُ من النّوى،لكِ أن تقولي تعالَ وعُدْ معي لِأعودَ فَورا
معي لِأعودَ دمعُ أبي وأمّي يناديني بنيَّ كفاكَ هَجرا
معي قلقُ المسافة حين تغدو، قُبَيلَ لقاءِ مَن نشتاقُ، عُمرا
معي جرحٌ وفيٌّ مِن زمانٍ وفقرٌ شبَّ مَرضيًّا وبَرّا
تقول ليَ القصيدةُ لستَ مِنّي إذا لم ترتفعْ بالشعر قَدرا!..
حمَلتُكَ في البلاد أسًى طَموحًا وأشواقًا تثور وألفَ ذكرى
أما اشْتعلتْ عيونُكَ ذاتَ دمعٍ؟ أما سَقطتْ وأنتَ تَجُرُّ ثأرا؟
ويومَ شبعْتَ مِن مَنفاكَ قهرًا أليسَ هناك ما يحتاجُ ذِكرا!؟
بلى لكنّني لو بُحتُ ما بِي منَ المنفى إذنْ لحفرتُ قَبرا
دعيكِ من القصيدة هاتِ شايًا شآميّ الهوى أو هاتِ خَمرا
أديريها عليّ كؤوسَ عزٍّ أديريها جزاكِ الله خيرا
تعالِي يا دمشقُ، معي دموعٌ سألقيها على كتِفيْكِ حَصرا
تعالي يا حبيبةُ، ثَمَّ ليلٌ سننزِعُهُ معًا ونَدُقّ فجرا
فمِن قلبٍ مُحبٍّ تاهَ شوقًا إلى قلبٍ عزيزٍ تاهَ فخرا
كأنّي ما لقيتُ أذًى وضُرًّا ولا قاسيتُ في البعدِ الأمَرّا
ولا شبّتْ بِليلِ الشّام نارٌ ولا طَرقَتْ رياحُ الحزن صَدرا
ولا جَثَمتْ على أهلي ديارٌ ولا شَربوا لفرطِ الخوفِ بَحرا
ولا هانوا على قَيد المنافي وما كانوا سوى للحبّ أسرى
حذارِ إذا غضبنا، نحنُ قومٌ نَجُرّ المجدَ مِن أذُنَيهِ جرّا
تمرُّ بنا المنايا لا لِأمرٍ عظيمٍ إنّما لتقولَ شُكرَا
وتطمحُ أن تطولَ لنا المعالي ولكنّا بهذا الفَوقِ أحرى
لنا سهمٌ مِن الشهداءِ غالٍ رمَيناهُ فقط لنُصيبَ أجرا!
نموت على البساطةِ، مَا اتّخَذْنا سوى مِن ضِحكةِ الفقراء قَصرا
بنا يَمنٌ يفورُ وكلّ جرُحٍ سنبلغُ بحرَهُ ما دامَ حُرّا
فيَحدُثُ أن تصيرَ الشّامُ ماءً إذا ضَنّتْ سحائبُ فوقَ مِصرا
ويَحدثُ أن تُضيفَ الشّامُ شيئًا جديدًا يسلِبُ الألبابَ سِحرا
ويحدُثُ أن أبوحَ ببعضِ شِعري فيسكُتُ بَعدَهُ الشعراءُ دَهرا
يَظُنّونَ القصيدةَ بِنتَ ليلٍ متى شافتْهُمُ ستَحُلُّ زِرّا!
لها أهلٌ، وتاريخٌ كبيرٌ على أمثالهمْ أدبًا وفِكرا
ولِي منها دماءٌ حين تَغلي تَقَطَّرُ مِن مَسامِ الروحِ عِطرا
أتُلقي ما تيسّرَ مِن خلودٍ علَيَّ ولا أجوعُ لها وأَعرى؟؟!
وثمّ يَنُطّ شُعرورٌ صغيرٌ بنَصٍّ فارغٍ! ياربُّ صَبرا!
فأُوصِيكُمْ بهِ لا تُوجِعوهُ كثيرًا، إنّهُ مازالَ غِرّا!
لَحانِي الشّعرُ، لا أهلًا وسهلًا بهِ إنْ لم يكنْ فَتْحًا ونَصرا
خذيني يا قصيدةُ مِن شبابي إلى شَيبي، فما أَبقيْتُ عُذرا
خُذي تعَبي، وحُزني، وانْكساري وضعفي، والجوى، وهَلمّ جرّا..






