عرسٌ دمشقيّ
بيومٍ كهذا اليوم ثرِّ السحائبِ أتى يا دمشق المجدُ من كل جانبِ
أقول: أتى، والله يعلم أننا خطفناه من بين الظُّبى والمخالبِ
بنشبةِ نشّابٍ، بحنكةِ قائدٍ بحَوبة مظلومٍ، بلعبةِ لاعبِ
لقد سقط الطاغي فيا شام زغردي وقولي لأحداث الزمان تعاقبي
لأنك لا تدرين كم كنت غائبًا رضت عليك الشيبَ بين الذوائبِ
أنا طفلُ ذاك الأمس، إذ رحت نازحًا فتى هذه الأيام، ربّ التجاربِ
أحبّك، لا تدرين كم سنةً مضت وأنت وهذا الجمر بين جوانبي
ولم تسأليني عن عصايَ وإنّ لي بها فوق ما تدرينه من مآربِ
فإن قيل: عشقٌ طار في الصدر طائرٌ وإن قيل: شعرٌ، صاحَ: خلّوا ملاعبي
إذا ركبوا للشعر بحرًا فإنني نفضت جناحي من غبار المواهبِ
لأنّي على مرباك يا شام عاكفٌ "ينادونني في السلم: يا ابن الأطايبِ"
يودّ غريب القوم إن همّ راحلًا بطيّ هواء الشام بين الحقائبِ
يقول: أما للشام صدرٌ نضمّهُ فقلنا له: ما كلّ آتٍ وذاهبِ
تخيّرت الآلام قومًا تخيّروا لها من بنيهم كل عينٍ وحاجبِ
ولم يرهبوا عرضَ البحار وطولَها عادتهم في الحرب حرقُ المراكبِ
إذا كنت لا تدري إلى النصر خطّةً فبعد دموعِ العين، مسكُ الشواربِ
وسل أي شاميٍّ نجا عن مصابهِ يقل ذا حبيبي وابن عمي وصاحبي
فنحن السيوف البيضُ أبناء خالدٍ ومنا الذئاب الحمر أهلُ العصائبِ
لأنا شآميّون كنا سحائبًا نجود بأمر الله فوقَ السحائبِ
لأنا شآميون والله غالبٌ بلغنا بهذا العزم أعلى المراتبِ
لأنا شآميون أصلا ومحتدا رفعنا أنوف العزّ فوق الكواكبِ
وخضنا غمار الحرب كلٌّ وربَّهُ فثارت خيولُ الله بين المضاربِ
مُحاربُنا في السلم يلقي قصائدًا وشاعرنا في الحرب شيخُ الكتائبِ
أنا واحدٌ منهم وهذي قصيدتي لبستُ وإياها ثيابَ المُحاربِ
نسامرُ أمًّا يلفظ الروحَ طفلُها غداة بكته قال: يا أمّ واجبي!
كأنّ دموع الأمّهات التي همت رصاصٌ فأنعم بالدموع السواكبِ
كأنّ اليتامى حين هدّوا خيامهم ملائكةٌ غرٌّ عراض المناكبِ
فسلّم على الأيتام من بعد عزّهم برفعةِ قلبٍ لا برفعة حاجبِ
وسلّم على الموتى فإنّا نعدّهم شهيدًا شهيدًا وفق كل المذاهبِ
وسلّم على الساروت إن كنت نازلًا بحمص وبلّغ شوقنا للحبائبِ
وعرّج بحلفايا فإن رجالها جبالٌ، وسل عنها صياحَ الثعالبِ
سلامٌ على كل البقاع وأهلها وقوفًا على أطلالها والنوائبِ
ليوم كهذا اليوم عن كلّ حرّةٍ بكت عينُها يا شام، ثوري وحاربي






